
هاهو مغرب يوم الجمعة قد اقترب ، والجميع في هذه الساعة يجلس رافعا كف الضراعة الى الله فانها من ساعات الاجابة المؤكدة ، وهنا قفز الى ذهني موقف رائع جميل من رجل احسبه كذلك ولا ازكيه على الله قد خالط الاخلاص قلبه ، واكتست كلماته بحكمة المؤمنين ، احببته في الله ، احببت كلماته ، لعلني لا ابالغ ان قلت انه من اكثر من احببت بعد ابي الحبيب رحمه الله ، يذكرني بابي الحبيب في صمته الوقور وحسه المرهف وخلقه الدمث العالي ....... اراكم تقولون مالموضوع مالموقف ؟! معكم حق ....
كنت في عمرة في صيف عام 2001 م وكان هذا الرجل الحبيب معنا في العمرة انه المهندس نبيل اسلام والد الاخ الحبيب محمد نبيل ، ها نحن قد انتهينا من العمرة وركبنا حافلات العودة الى الوطن الى مصر .... التفت الي قائلا : تعلم ان لك دعوة مستجابة عند اول رؤية لك للكعبة ؟! قلت : نعم قال : فما كانت دعوتك ؟! قلت ( محرجا فلا احب ان اتحدث بما دعوت ) : يعني دعوت ب....... لم يجعلني اكمل فقد شعر بحرجي الشديد : لا اريد ان اعرف بالتحديد لكن اكان الدعاء لنفسك ام لاهلك ام لمن ؟! قلت بسرعة : حقيقة كانت الدعوة لنفسي . اطرق براسه قليلا فبادرته سائلا : وحضرتك ؟ ما كان دعوتك ان امكن ان اعرف ! قال بثيات : قد كنت انوي الدعاء باشياء كثيرة عند رؤية الكعبة منها الشخصي ومنها ماهو للعائلة ومنها ... ومنها .. لكني لما رايت الكعبة وهذه الالوف من المسلمين تطوف حول البيت لم ينطق لساني الابدعوة واحدة : اللهم رد هؤلاء واممهم الى دينك ردا جميلا ، اللهم غير احوالنا الى احسن حال ، اللهم اهدي هؤلاء واممهم ........
صعقني .... لا يحتاج ان يكمل او ان يشرح لماذا فعل هذا ؟!
كم اكبرته اكثر واحترمته اكثر . تعلمت معنى لو جلست سنين لاتعلمه لما استطعت لكنه ببساطة وسهولة علمني ان لا اكون انانيا في التفكير ، ان لا اكون انانيا في دعاءي ، ان لا اكون انانيا في احلامي !..... فرق كبير بين الذي يعيش واحلامه كلها : في الماكل والمشرب والملبس والاولاد والزوجة ومناصب العمل ووجاهة الدنيا والمسكن الواسع الرحيب والسيارة الفارهة وبين الذي يعيش لغيره ، لامته ...... احلامه كلها تدور في فلك امته ، لرفعة امته ، لنصرة امته ، لاقتصاد امته ، لاخلاق امته ووطنه وقومه ... يحلم بوطن لا غش فيه لا كره فيه لا حقد فيه .... ويسعى لهذا الحلم كما يسعى الاول الى حلمه الشخصي ... فرق كبير بين الذي يفكر للذاته لهواه لشهواته لرغباته لحاجاته لماله ...... وبين الذي يفكر كيف ياخذ بيد الضال ويرشد الحائر ويربت على كتف الفقير ، ويكفل اليتيم ويساعد الارملة ....... فرق كبير بين الدعاء لنفسك ( وان كان مطلوبا ولا شك ) وبين الذي يدعو لامته وغيره ، فرق كبير بين ان تعيش لنفسك وبين ان تعيش لمن حولك ...... وهنا تذكرت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يقول : ان لكل نبي دعوة مستجابة واني قد ادخرت دعوتي لامتي يوم القيامة !!