كنت أتصور أن السؤال حول طبيعة دور جماعة الإخوان المسلمين في المجتمعات العربية عما إذا كان هذا الدور سياسياً أم دعوياً أو هل هو دور إصلاحي أم تغييري ..كنت أتصور أنه قد حسم من زمن . ولكن يبدو أن الطبيعة الاستثنائية التي تحياها مجتمعاتنا في هذه الحقبة .. جعلت أغلبنا يدور في دائرة مغلقة.. فما إن ننتهي من تعريف وتحديد موضوع حتي نبدأ في إعادته إلي المربع رقم واحد..
جماعة الإخوان المسلمين من البدايات الأولي لوجودها في الحياة العامة في المجتمعات العربية والإسلامية وهي حركة نهضة حضارية شاملة ..تعتبر الإسلام «الدين والمنهج» روح هذه النهضة و باعثها .وهذا المعني لم ينتجه الإخوان المسلمون من العدم ولكنه رؤية رآها كل المصلحين السابقين علي قيام الحركة منذ نهاية القرن التاسع عشر إلي بدايات القرن العشرين..من الكواكبي الذي رأي أن الاستبداد هو الداء الرئيسي الذي وقع فيه الشرق وتخلص منه الغرب والأولية تتمثل بالإصلاح السياسي، إلي الأفغاني وعبده اللذين تمثلا البعد الثقافي والديني في الحضارة الغربية وقدرا أنه المفتاح لفهم السبب في تأخرنا وتقدم الغرب .. إلي رشيد رضا تلميذ محمد عبده النجيب وأستاذ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.
تلقف الأستاذ البنا ــ رحمه الله ــ دوره في مشروع الإصلاح بإخلاص وإتقان شديدين ..فانتقل بالعمل الإسلامي نقلة هائلة من إطار الجهود الفردية والاجتهادات الشخصية إلي إطار الحركة الجماعية المنظمة..وذلك بغرض إشراك كل الأمة في حمل نصيبها المقدر في تحقيقه وإقامته...فحوله من مشروع فكري إلي حركة إصلاح ونهوض شعبية تضم كل فئات الشعب بعد أن كان الناس ينظرون إلي النشاط الإسلامي العام من خلال شيوخ الصوفية والطرق...والتقاليد الموروثة التي كانت في مجملها عنوانا للجمود والرفض لكل جديد..فجاءت حركة الإخوان المسلمين فقدمت المثقفين وطلاب الجامعات والعمال والفلاحين والداعين إلي الاستفادة من الحداثة في سياق الحفاظ علي الهوية الحضارية التي يمثل الإسلام قلبها النابض..كان كل ذلك اهتماما إصلاحيا ناهضا يقوم علي قاعدة متينة من التغيير النفسي والاجتماعي والسياسي..وقد تميز نشاط جماعة الإخوان المسلمين السياسي - من بداياته الأولي - بالاعتدال والتصالح مع الواقع والمشاركة في البرلمان والتفاعل مع الأحزاب السياسية الأخري، ولم تصدر عن الجماعة أي دعوات انقلابية أو تكفيرية باتجاه النظم والسلطات القائمة، فكان هناك قبول بالدستور والقوانين مع المطالبة بتعديلها لتتوافق مع أصول الشريعة الإسلامية ونصوصها.وهو الفهم الذي وصفه الأستاذ البنا بأنه «أضوأ من الشمس وأوضح من فلقِ الصبح وأبين من غرةِ النهار».
وعليه فجوهر حركة الإخوان المسلمين لتحقيق النهضة والتنمية يقوم علي بناء الإنسان و إنهاضه وفق شمولية التعاليم الإسلامية نظريًّا وعمليًّا وروحيًّا، بما يغطي جميع جوانب الشخصية، وبما يساعد علي إعداد أرضية إسلامية للمجتمعات القائمة تساهم في تحقيق مشروع الدولة علي اعتبار أن ذلك هو أساس النهضة الإسلامية.
وأخيرا هناك ثلاث نقاط أري من المهم التأكيد عليها : نحن لم نكون ولن نكن في يوم من الأيام حركة انقلابية رافضة لأنظمتنا ومجتماعاتنا ونحن إنما نسعي لإصلاحها وليس للقضاء عليها أو استئصالها كما تفعل الجماعات الراديكالية . «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت»
جماعة الإخوان ــ إضافة لما ذكرته سابقا ــ جماعة مدنية مجتمعية مفتوحة..تعتمد في إدارة شئونها وأحوالها علي المتعارف عليه في نظم الإدارة وتسيير الأمور بما يحقق توافق خطوات العمل ضمن المجري الفكري والعملي للجماعة ..مثلها في ذلك مثل كل الجمعيات والأحزاب والأندية التي تضبطها لوائح مستقره ومتفق عليها وهو ما ما ينفي عن الجماعة اي توصيف آخر .
والطبيعة المدنية المفتوحة للجماعة تتعارض مع أي شكل آخر من أشكال الإدارة العسكرية (الميري) أو الإدارة السرية المغلقة.
لم تتغير قناعتي يوما ما أن جماعة الإخوان ذات الفكر المجتمعي المدني الناهض لم تتح لها الفرصة الحقيقية الكاملة للوجود المستقر داخل المجتمع بما يؤكد طبيعيتها وجوهرها الأصيل..لا في الأربعينيات ( بسبب الاحتلال ) ولا في الخمسينيات ( بسبب صدام يوليو ) ولا بعد ذلك وحتي يومنا هذا..وسامح الله كل من شارك في حرمان هذا الوطن الحبيب من (ثروة حقيقية) اجتماعية وفكرية وسياسية وتربوية ..ضمن باقي ثرواته القومية الأخري التي حرم منها هذا المجتمع العزيز، وللأسف لصالح قوي البغي والشر علي أمتنا وحضارتنا.